المجلس العلمي المحلي لإقليم جرادة | بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الثوابت الدينية والوطنية في ترسيخ قيم الوحدة [1]
كتبه فضيلة رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم جرادة ذ عزيز سرغيني
الحمد لله المتفضل بالنعم ، وأشهد أنه الله لا إله إلا هو تعددت أنعمه وآلاؤه ، ومنها نعمة الوحدة وما يتفرع عنها من أمن واستقرار، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد سيد الشاكرين لأنعم ربه ، فاللهم صل عليه وعلى آله.
وبعد ، فلا يخفى على أحد ما لصيانة الثوابت الدنية والوطنية من دور حاسم في ترسيخ قيم الوحدة .
ذلك أن قوة الأمة الحقيقية إنما هي في تماسكها وتوحدها ، وهذه الوحدة بالنسبة لأمن الأمة هي كالبيت لساكنيه ، فمتى كان البيت قويا متقن الصنع إلا عاش ساكنوه عيشة آمنة مطمئنة تماما كما قال الشاعر :
والبيت لا يبتنى إلا له عُمُدٌ **** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فكما للبيت أركان هي قوامه ، فكذلك للوحدة قيم ، ولها أركان وأوتاد ، هي مقدستها الدينية والوطنية التي هي سفينة نجاتها وصمام أمنها و سر وجودها .
ومن حسن حظ بلدنا المغرب الحبيب أن الله تعالى أنعم عليه منذ الأزل بنعمة الوحدة ، حيث طبع أهله على حب الوحدة والجماعة والمحافظة على ثوابته وقيمه ، فالمغرب وحدوي بفطرته ، اجتماعي بطبعه ، محافظ بغريزته ووجدانه
إن وحدة الأمة المغربية تقوم على ثوابت أساسية هي بمثابة الأركان ، وهي ثابت الدين ، وثابت الوطن ، وثابت إمارة المؤمنين ، يجمع هذه الثوابت كلها شعار : ” الله – الوطن – الملك ” .
فعلى مستوى ثابت الدين يتناول ركن الوحدة الدينية العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق و السلوك…
فبالنسبة للعقيدة اختار المغاربة مذهب أهل السنة والجماعة على منهج أبي الحسن الأشعري ، وعلى مستوى التربية الروحية والأخلاقية والسلوكية اختاروا طريقة الجنيد الموافقة للكتاب والسنة ، وعلى مستوى الفقه اختاروا الفقه المالكي المتنوع في الأصول والفروع ، وكلها اختيارات تتسم بالوسط والاعتدال ، وتعمل على جمع الشمل وتوحيد
الصف ، فالعقيدة الاشعرية لا تكفر أحدا من أهل القبلة ، و الفقه المالكي فيه مرونة وسعة تغطي مختلف الوقائع والأحداث لكثرة أصوله ، وطريقة الجنيد طريقة سنية مبنية على القرآن والحديث .
أما الوحدة الوطنية فهي فطرة في المغاربة ، فهذا الوطن الذي افترشنا أرضه وجاد علينا بخيراته لابد أن تهفو إليه الأفئدة والقلوب ، وتردد مع الشاعر قوله :
بلاد بيها نيطت علي تمائمي *** وأول أرض مس جلدي ترابها .
ولاشك أن التعلق بالأوطان والإشادة بمفاخرها من أنبل ما أودع الله من صفات الكمال في الإنسان ، حتى قيل : إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف عشقه لوطنه ، وشوقه إلى إخوانه ، وهي سنة الرسل والأنبياء في حب أوطانهم …
وهذه القيم ، قيم الوحدة الدينية والوطنية إنما تبثها في أولادنا مؤسسات ثلاث تتكامل أدوارها ، وهي : الأسرة والمدرسة والمسجد ، وبذلك نعلم أن الوطنية ليست كلمة تقال باللسان وكفى ، ولكنها هوية وتضحية تمتد في التاريخ ، وتعاش في الواقع ، ويعمل لها في المستقبل .
أما إمارة المؤمنين فهي الركن الحارس لتلكم الثوابت الدينية والوطنية ، وتسمى الإمامة العظمى التي تقوم على البيعة الشرعية ، وهي موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا كما ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية ، بهذا الركن يتحقق صلاح الإنسان ، وحماية الأديان والأبدان ، فلا دين بدون سلطة تحمي حماه، ولا دنيا بدون وازع السلطان .
ولا يخفى علينا أهمية الوحدة بين أبناء الأمة الواحدة في المحافظة على الاستقرار، وقديما جمع الشاعر أبناءه فأوصاهم بأهمية الوحدة من خلال ضرب هذا المثل :
كونُوا جميعَاً يا بَنِيَّ إِذا اعتَرى *** خَطْبٌ ولا تتفرقُوا آحـــــــادَا
تأبَى القِداحُ إِذا اجتمعْنَ تكسُّراً *** وإِذا افترقْنَ تكسَّرتْ أفـــــرادَا
فنحمد الله تعالى أن من علينا في هذا البلد الأمين بنظام إمارة المؤمنين القائم على البيعة الحامي لحمى الملة والدين ، الضامن للحقوق والواجبات ، وهو نظام لا بقاء له في دول المعمور إلا في المغرب ، ونحن نشاهد كيف يتخطف الناس من حولنا ، فلا يعرفون هدوء ولا استقرارا بسبب غياب نظام إمارة المؤمنين الجامع الموحد لشمل الأمة.
فنسأل الله العظيم أن يديم على بلدنا المغرب نعم الوحدة والتماسك والاستقرار ، وأن يوفقنا جميعا لترسيخ هذه الثوابت في وجدان الأمة تحت التوجيهات السديدة لمولانا أمير المؤمنين حفظه الله ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
——————————————————————————
[1] – المقال مستوحى من ورقة قدمتها الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى في إحدى دوراتها باسم : “وثيقة الوحدة” وهي وثيقة نفيسة في تسطير عناصر الوحدة المغربية التي تحصنها الثوابت الدينية والوطنية.