تقديم: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن والاه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد: لا شك أن الدين الإسلامي منهج شامل متكامل يضبط حياة الإنسان، ويرشده إلى الطريق الصحيح؛ لكونه يحتوي على مجموعة من القيم الإسلامية التي إذا التزم بها الإنسان المسلم صلحت حياته ونال الأجر والثواب، وساعدته على تحسين سلوكه، وأبعدته عن الأخلاق الذميمة، ووضعت له ضوابط وحدودا تمنعه من الانجراف للشهوات والمعاصي، وعملت على تماسك المجتمع، لكونها دستورا يتعلم منه جميع أفراد المجتمع.
إن صلاح الأمم واستمرارها مرجعه إلى الأخلاق المبنية على القيم التربوية العملية المثلى، وفساد الأمم وخرابها يعود بالدرجة الأولى إلى تخليها عن هذه القيم؛ ولهذا كان من مقاصد بعثة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أنه جاء ليتمم مكارم الأخلاق، حيث قال عليه السلام : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق[1]“، باعتبار الأخلاق مجالا خصبا لبناء القيم ونموها ، ومن ثَم تمثلها وتطبيقها، من أجل تحقيق مقصد التزكية التي هي أحد مقاصد البعثة النبوية.
ولعل المؤسسات التعليمية من أبرز الفضاءات لتدريس وبناء هذه القيم، وذلك من خلال المناهج التربوية والمقررات الدراسية، لأن المنظومة التربوية تركز على القيم، وخاصة منهاج مادة التربية الإسلامية (ابتداء بالسلك الابتدائي، مرورا بالسلك الإعدادي، وانتهاء بالسلك التأهيلي)، والذي ركز على القيم بشكل كبير، وحدد للمادة (التربية الإسلامية) القيمةَ المركزيةَ المتمثلة في “التوحيد“، والقيم الناظمة لها، وهي: قيمة الحرية، وقيمة الإحسان، وقيمة المحبة، وقيمة الاستقامة؛ وذلك من أجل بناء جيل صالح ومصلح، يحقق مبدأ الاستخلاف الذي هو أساس عمارة الأرض.
ولذلك سأتناول في هذه المقالة الأولى مفهوم القيم الإسلامية، وخصائصها، وأهمية تدريسها في المؤسسات التعليمية، على أن أتناول في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى القيمَ التربويةَ في المنهاج الدراسي لمادة التربية الإسلامية، ثم القيم التربوية من خلال سورة يوسف في المقالة الثالثة إن شاء الله، فأقول وبالله التوفيق:
أولا: مفهوم القيم الإسلامية:
القيم الإسلامية هي: “مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله الخالق ، كما صورها الإسلام، وتتكوَّن لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكانيته، وتتجسَّد من خلال الاهتمامات، أو السلوك العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة”[2].
إذن القيم هي تلك الأخلاق الإسلامية السامية التي تطبع حياة الفرد والمجتمع، والصفات الإنسانية الإيجابية الراقية المضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية، تؤدي بالإنسان إلى السلوكيات الإيجابية في المواقف المختلفة التي يتفاعل فيها مع دينه ومجتمعه وأسرته.
ثانيا: خصائص القيم الإسلامية:
تتميز القيم الإسلامية عن غيرها من القيم المعرفية الأخرى بكونها ربانية المصدر؛ لأن الله عز وجل هو الذي وضع أصلها، وحدد معالمها، لقوله تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين) [ الشعراء/192].
وتتسم بالعدل، لقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) [النساء/57]، وتتصف بالقدسية، لأنها تقوم على الإيمان، وتتميز بالوضوح، لقوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) [المائدة/17]، وتتسم أيضا بالواقعية، بحيث يمكن تطبيقها بلا تكلف، فالعبادات واقعية، والأخلاق واقعية، والقيم كذلك واقعية.
وهي قيم عالمية غير خاصة بالمسلمين، وإنما هي منفتحة على سائر الأمم والشعوب، وتكون هذه العالمية مدخلا إلى الإسلام عند كثير من الشعوب والأمم، وقد أخذها النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[3]. وتتميز كذلك بالثبات والاستمرارية، حيث تستمد استمراريتها من صلاحية مصادرها لكل زمان ومكان. وتتسم بالإيجابية[4]، لأن المقصود بها أن يتعدى الخير للآخرين، فلا يكفي كون الإنسان صالحا في نفسه، بل لا بد أن يكون صالحا ومصلحا، يتفاعل مع المجتمع وينشر الخير، ويعلّم الجاهل، ويرشد الضال.
وهي قيم قابلة للتحقيق في المجتمع، حيث تتكيف مع مختلف الأحوال والأزمان دون أن يؤثر ذلك في جوهرها، وبالتالي فهي قيم موافقة للشريعة الإسلامية تماما، وهي لا تخرج من دائرة حدود الله وشريعته، وتمتاز بالوسطية، لا إفراط فيها ولا تفريط[5].
ثالثا: أهمية تدريس المتعلمين القيم الإسلامية في المؤسسات التعليمية:
إن تدريس القيم الإسلامية في المؤسسات التعليمية له أهمية كبرى، باعتبار أن الأطفال منذ نعومة أظفارهم ينهلون من هذه المؤسسات القيم، والأخلاق الفاضلة؛ لأنه بكل بساطة إذا لم يتعلموا الأخلاق في هذه المؤسسات، فسيصبحون مشاريع لنشر الشر والفساد في المجتمع.
فكلما وضعت المناهج الدراسية وفق المنهج الشرعي قرآنا وسنة وعقيدة، فإن التلاميذ يكتسبون المثل، والقيم، والأخلاق النيرة، وكلما غُيّبت هذه القيم في المناهج الدراسية، فإننا نجد تلاميذ بلا قيم ولا أخلاق، وما قيمة الإنسان عديم الأخلاق والقيم؟.
ولا شك أن المدرس يشكل عنصرا أساسيا في تلقين هذه القيم للتلاميذ في مختلف المراحل الدراسية بحاله قبل مقاله، وبالتالي فإنه يساهم في صناعة جيل فذّ فريد ينفع الأمة الإسلامية، لكن هذا المدرّس لا بد ـ لكي ينجح ـ أن يكون قدوة وأسوة لتلاميذه، ولا سيما أن التلاميذ يتأثرون بمدرّسهم في الأخلاق الحسنة، أو الأخلاق السيئة، فإذا لاحظوا أن الأستاذ يكذب، ويغش، ويخون الأمانة، ويسعى بالغيبة والنميمة، فإنهم يتعلمون منه هذه الأخلاق[6].
وفي هذا القدر كفاية، على أن أواصل الكلام حول الموضوع في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
——————————————————————————————————————–
[1] – أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب حسن الخلق، ص: 100، رقم: 273.
[2] – القيم الإسلامية والتربية: دراسة في طبيعة القيم ومصادرها ودور التربية الإسلامية في تكوينها، لعلي خليل مصطفى، دار الفكر العربي، القاهرة، ص: 34.
[3] – أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب حسن الخلق، ص: 100، رقم: 273.
[4] – الخصائص العامة للإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، ط 2، لبنان، مؤسسة الرسالة بيروت، ص: 07 ـ 80. (بتصرف).
[5] – القيم الإسلامية والتربية: دراسة في طبيعة القيم ومصادرها ودور التربية الإسلامية في تكوينها، لعلي خليل مصطفى، دار الفكر العربي، القاهرة، ص: 43 ـ 52.
[6] – القيم الإسلامية في التعليم وآثارها على المجتمع، محمد أمين الحق، مجلة دراسات الجامعة الإسلامية شيتاغونغ ببنغلاديش، المجلد التاسع، دجنبر 2012، ص: 335 ـ 344.